مقدمة عن نظرية التعلق
- الاخصائية النفسية أيمان بايونس
- Aug 14, 2021
- 5 min read

يعد التعلق أحد المفاهيم الرئيسية التي تفسر لنا طبيعة علاقات الفرد مع محيطه منذ الطفولة كأحد أنماط السلوك الاجتماعي الانفعالي الهامة والتي تساعد بدورها على تكوين الفرد لتوقعات أولية عن سلوك الآخرين من حوله بهدف مواجهة الأخطار والضغوط، وبلوغ الشعور بالأمن الذي يؤدي دوراً مهماً في التكيف النفسي للفرد طوال حياته .
وقد كانت نظرية التعلق لجون بولبي Bowlbyأحد المداخل الرئيسة التي تناولت مفهوم التعلق، حيث ركزت بدورها على الخبرات والعلاقات المبكرة في حياة الفرد و دورها في تشكيل شخصيته واستجاباته في مراحله العمرية اللاحقة، فمفهوم التعلق وفقاً لهذه النظرية يتكون بدايةً من علاقة الطفل الرضيع بمقدمي الرعـــاية " بدءًا من الأم" ، وتشكل هذه العلاقات الأولية وخبرات التفاعل الأولى مفهوم الطفل عن الارتباط بالآخرين وطريقة استجاباته وتفاعلاته معهم، ويبدأ في تكوين أنماط مختلفة من التعلق بناءً على نتيجة خبرات التفاعل تلك، ووُجد أنَّ أنماط التعلق في الطفولة تستمر حتى السنوات اللاحقة، وتظهر في علاقة الفرد بأصدقائه، وكذلك علاقته مع شريك حياته، حيث يميل الفرد عند التعرض لأي ضغط أو توتر إلى استخدام نمط التعلق الشائع لديه كرد فعل أولي.
فخبرات التعلق والتفاعلات الاجتماعية الأولي تساعد الفرد على تكوين توقعاته المستقبلية عن ماهية السلوكيات الفعالة مع كل نموذج تعلق ، مثال :
•سلوك البكاء " كسلوك تعلق" هو سلوك فعال عند استخدامه مع الأم " كنموذج التعلق" ويصحبه استجابة وتدعيم للسلوك.
•في حين يعتبر سلوك غير فعال وقد يعرضه للعقاب عند استخدامه مع الأب مثلاً فبالتالي يتم تثبيطه وكبته.
فالخبرات الأولية هنا حملت معها توقعات الفرد عن ردات فعل نماذج التعلق المستقبلية، مدى توافرهم، فعالية استجابتهم لسلوكيات التعلق الخاصة به في المواقف القادمة، ذكرياته عن ردات فعلهم الماضية ومشاعره تجاهها .
هذه العناصر المختلفة تكون لدينا ما يسمى بنماذج العمل الداخلية internal working models بمرور الوقت نماذج العمل الداخلية هذه تصبح أكثر رسوخاً مع تكرار المواقف وخبرات التفاعل الداعمة لها .
•ومفهوم " نماذج العمل الداخلية" أيضاً يفسر لنا بدوره سبب ميل أنماط التعلق للثبات عبر الزمن حيث يميل الشخص لاستحضار توقعاته السابقة والناتجة عن تراكم خبراته الأولية، فيستخدم ذات الاستراتيجيات المستخدمة في الماضي وبالتالي يصل لنتائج مشابهة بغض النظر عن جدواها أو مناسبتها للحاضر.
الهدف من نماذج العمل الداخلية:
مساعدة الفرد على التنبؤ بسير ونتائج تفاعلاته القادمة مع نماذج التعلق المختلفة ، والعمل على تعديل سلوكيات التعلق بناء على تلك التوقعات .
أنواع نماذج العمل الداخلية : وفقاً لبولبي يوجد لدينا نوعين رئيسيين :
١- نماذج عمل عن الآخرين : عن مدى توافرهم واستجابتهم.
٢- نماذج عمل عن الذات : عن مدى استحقاقها للدعم والحماية ومدي كفائتها .
فنجد أن خبرات التعلق المتراكمة هذه بتفاصيلها المختلفة " التوقعات، المشاعر، والسلوكيات المرتبطة بها" تكون لنا أنماط التعلق المختلفة التي نلجأ لها عند الشعور بالضغط .
• في الغالب يتكون لدينا نمط شائع " أكثر تكرار، أو مرتبط بنماذج التعلق الأولية كالوالدين مثلاً" في حين يرى البعض الآخر أن الفرد يملك الأنماط المختلفة جميعها ولكن تظهر بشكل مختلف وفقاً لسياق كل موقف.
مواصفات نموذج التعلقattachment figure :
إذ يتعين على الشخص الذي يمارس تجاهه سلوك التعلق أن تتوفر به بعض الصفات :
أن يكون متوافر available ، حساس لاحتياجات الفرد , sensitive يستجيب لها بفعالية responsive
ونماذج التعلق المختلفة تلك تكون: موجودة لدى الفرد منا في شكل هرمي ضمني حسب الأكثر شيوعاً ، أكثر من نموذج وتزداد عدداً مع العمر " الوالدين ، بقية الأسرة ، الأصدقاء ، شريك الحياة وغير ذلك "، قد تكون نماذج التعلق حقيقية أو رمزية .
وظائف سلوكيات التعلق :
وفقاً لبولبي يولد الفرد مزود بمجموعة من سلوكيات التعلق المختلفة " البكاء الابتسام الرضاعة" بهدف تحقيق القرب من مقدم الرعاية أو نموذج التعلق، ويحقق من خلال سلوكيات التعلق تلك ٣ وظائف أساسية :
١-توفير ملاذ آمن، إذ يهرع الفرد في مواقف الخطر والتهديد إلى مقدم الرعاية أو نموذج التعلق بهدف البحث عن الدعم والشعور بالراحة Safe haven .
٢-اتخاذ مقدم الرعاية أو نموذج التعلق كقاعدة آمنة ينطلق منها للقيام بنشاطات استكشافية في بيئته المحيطة secure base.
٣- مساعدة الفرد على التنظيم الانفعالي بشكل أكثر فعالية وبالتالي الحفاظ على اتزان انفعالي أفضل في مواجهة الضغوط.
آلية عمل نظام التعلق:
عند تعرض الفرد لموقف ضغط أو تهديد يبدأ حينها بتقييم ما إذا كان نموذج التعلق " متاح ، حساس لاحتياجاته ومتفهم لها، يستجيب بفعالية" :
•عند توفر هذه الصفات تزيد فرصة ممارسة الفرد لسلوكيات التعلق والاقتراب بهدف الحصول على الحماية والدعم المطلوبين "استراتيجية أولية".
•أما في حين ما إذا كان نموذج التعلق غير موجود، لا يستجيب بفعالية كافية ، غير متفهم لاحتياجات الفرد ، هنا يصبح شعور الفرد بالحاجة لطلب المساعدة مصدر تهديد له وتبدأ شكوك الفرد حول فعالية سلوك طلب المساعدة !
وهنا تظهر الحاجة لاستراتيجيات أخرى للتعامل مع القلق المصاحب للموقف ، والاستراتيجيات البديلة المستخدمة نوعين :
آ- استراتيجية الافراط في تفعيل نظام التعلق hyper activation "مظاهر احتجاجية" :
و تظهر بصورة أوضح عندما يكون نموذج التعلق متذبذب " موجود ومتجاوب في بعض الأحيان فقط ، لا أملك الثقة كافية بوجوده عند الحاجة " فيلجأ الفرد حينها لفرط التعبير والإلحاح في طلب الدعم كونها الطريقة الأنسب في حصوله على الانتباه والدعم المطلوب.
ب- استراتيجيات إبطال التفعيل deactivation حيث يلجأ الفرد للهرب من مشاعر الألم والإحباط، تجنبها، العمل على التقليل منها وذلك بعد أن تنتج عن التفاعل مع نموذج تعلق غير متواجد، غير متفهم لمشاعره ويعاقبه أو يرفضه عند إبداءه أي حاجة للقرب أو المساعدة أو الضعف .
فهنا يتوقع الفرد نتائج أفضل عند قيامه بكبت مشاعره وكبت حاجته للدعم " تجنب العقاب على أقل تقدير" وبالتالي يميل لكبت سلوكيات التعلق ومواجهة المواقف الضاغطة بمفرده وباستقلال عال ، يطلق عليها أحياناً الاعتماد القهري على الذات compulsive self reliance
وهنا الهدف الأساسي من استراتيجيات الكبت هو لتجنب الفرد مشاعر الخيبة والتوتر الناتجة من التفاعل مع نموذج تعلق غير متوافر ويفتقر للحساسية والاستجابة لاحتياجاته و لتفادي التعرض لإهماله وعقابه ، هذه الاستراتيجيات تتطلب من الفرد إنكار حاجاته التعلق، تجعله يتجنب الحميمية في علاقاته، ويتجنب الاعتماد المتبادل في علاقاته ، يتجنب الأنشطة التي قد تثير لديه أفكار ومشاعر وسلوكيات التعلق الغير مرغوبة ، والتجنب يعزز استمرار النمط لافتقار الفرد لتجارب إيجابية بديلة.
أنماط التعلق لدى الأطفال:
والذي قدمته ماري اينزوورث من خلال تجربة الموقف الغريب وتوصلت من خلاله لثلاثة أنماط تعلق شائعة لدى الأطفال :
1- نمط آمن : يظهر قلقه عند ابتعاد الأم لكن سرعان ما يهدأ عند عودتها ويكمل استكشافه ولعبه .
2- نمط قلق: يميل لاستراتيجيات الافراط في التفعيل hyper activation / انفعالهم مبالغ فيه واحتجاجي عند ابتعاد الأم / عند عودتها يظهرون شعور بالغضب والانفعال والمقاومة تجاهها / يستغرقون وقت أطول كي يستعيدوا هدوئهم ويعودون لممارسة أنشطتهم .
3- نمط تجنبي : يميل لاستراتيجيات ابطال تفعيل نظام التعلق /deactivation يظهر انزعاج بسيط من غياب الأم / وقد يتجنبها بعد عودتها .
أنماط التعلق لدى الراشدين :
هي امتداد لأنماط الطفولة ولها تصنيفات مختلفة نذكر منها :
أنماط التعلق لدى البالغين وفقًا للتصنيف الثلاثي لهازان وشيفر Hazan and Shaver )١٩٨٧) :
أ- نمط التعلق الآمن: Secure Attachment Style إلى أي درجة ينظر الفرد بشكل إيجابي إلى نفسه والآخرين.
حيث يتميز أفراد هذا النمط بقدرتهم على الاقتراب من الآخرين واقتراب الآخرين منهم و الثقة بهم والاعتماد عليهم ، لديهم ثبات انفعالي أفضل، يشجعون العلاقات العميقة المتبادلة، تكيفهم أعلى مع الضغوط، ويملكون مرونة نفسية أعلى.
ب- نمط التعلق القلق : Anxious-Ambivalent Attachment Style إلى أي درجة ينظر الفرد بشكل سلبي إلى نفسه، وبشكل إيجابي إلى الآخرين.
حيث يشعر أفراد هذا النمط بعدم الارتياح من احتمال رفض الآخرين التقرب منهم، لديهم انخفاض في تقدير الذات ويربطون تقديرهم لذاتهم بتقييم الآخرين، ولديهم ميل عال للاعتمادية ، ميل للمبالغة في التعامل مع المشكلات، حدية في التفكير " الكل أو لا شيء"، ويميلون للجوء لاستراتيجيات الافراط في التفعيل hyper activation
ج- نمط التعلق التجنبيAvoidant Attachment Style :إلى أي درجة ينظر الفرد بشكل إيجابي إلى نفسه، وبشكل سلبي إلى الآخرين.
أفراد هذا النمط لديهم تفضل للاستقلالية العالية، يملكون نظرة سلبية حذرة نحو الآخرين ، يميلون للتقليل من قيمة مشاعرهم السلبية ويتجنبونها، ويميلون للجوء لاستراتيجيات ابطال التفعيل deactivation
وأخيراً من المهم هنا بعد أن تعرفنا على أنماط التعلق ملاحظة أن أنماط التعلق لا تعد أنماط مرضية ولا تصنف كاضطرابات نفسية بحد ذاتها ، بل نستطيع اعتبارها كأفضل طريقة تكيف ممكنة توصل لها الفرد حسب سياق بيئته، وأحياناً تم مكافئة هذه الأنماط الغير آمنة مما تسبب في استمرارها وتعزيزها .
دورنا هو الوعي بها وبتأثيرها علي جوانب الحياة المختلفة والعمل على التقليل من سلوكيات التجنب المتأثرة بخبرات الماضي بهدف بناء خبرات إيجابية بديلة للوصول لخبرات تعلق أكثر واقعية وإيجابية في الوقت الحالي .
________________________________________________________________
المراجع :
-Shaver, P. R., & Mikulincer, M. (2009). An overview of adult attachment theory. In J. H. Obegi, & E. Berant (Eds.), Attachment theory and research in clinical work with adults. New York: Guilford Press. Retrieved from https://psycnet.apa.org/record/2009-02347-002
- أبو غزال، معاوية وجرادات، عبد الكريم. (٢٠٠٩). أنماط تعلق الراشدين وعلاقتها بتقدير الذات والشعور بالوحدة. المجلة الأردنية في العلوم التربوية، ٥ (١)، ٤٥-٥٧.



Comments