top of page

صدمات الطفولة وتأثيرها على صحة الإنسان

  • الاخصائية والباحثة الاجتماعية: أ. نوره حسن
  • Jul 3, 2021
  • 4 min read


ree


عندما يتعرض الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة للعنف والاضطهاد مدة طويلة وبشكل مستمر؛ فإن ذلك غالباً ما يغير الوظائف الحيوية لجسده، وهنالك العديد من الدراسات التي تطرقت لهذا الموضوع وهي ما تسمى «تجارب التعرض للعنف في الطفولة» ACEs


إذاً، ما الذي نقصده بصدمات الطفولة؟

إن صدمات الطفولة هي تلك الأحداث الصادمة التي تنهش الطفل من الداخل وتغير من وظائف أعضائه على المدى البعيد، ومن الأمثلة على هذه الصدمات:

· سوء المعاملة أياً كانت (نفسية، جسدية، جنسية...إلخ).

· الإهمال بأشكاله كافة.

· النشأة في بيئة مضطربة، كأن يكون أحد الوالدين مريضاً عقلياً أو يعاني من الإدمان، أو يعيش في منزل مليء بالعنف تقطنه أسرة منفصلة ومشتتة.


قد يتساءل البعض كيف لهذا العنف أن يؤثر على دماغ الطفل ويغير من حالة أعضائه الحيوية؟


في إحدى الدراسات التي تناولت هذا الموضوع على يد العالم المتخصص في صدمات الطفولة «فيلتي» والمجراة على ١٧٥ ألف بالغ، طرحت عليهم أسئلة حول قصصهم وتجاربهم في التعرض لما يسمى «تجارب التعرض للعنف في الطفولة» التي تشمل العنف الجسدي، والعاطفي، والانتهاك الجنسي، والإهمال الجسدي والعاطفي، والمرض العقلي لأحد الوالدين، وإدمان المخدرات، والسجن، والانفصال أو الطلاق، وأخيراً العنف المنزلي.


وكانت النتائج لهذه الدراسة مذهلة، فقد كشفت أن ٦٧٪ من المتطوعين في الدراسة تعرضوا إلى مؤشر إيجابي واحد من المؤشرات المتعلقة بتجارب التعرض للعنف في الطفولة، و١٢.٦٪ أي: واحد من كل ثمانية أشخاص لديه أربعة مؤشرات إيجابية من المؤشرات المتعلقة بتجارب العنف في الطفولة، وقد كشفت الدراسة أيضاً عن علاقة عكسية بين كثرة التعرض للصدمات في مرحلة الطفولة وتدني الحالة الصحية للطفل في حياته لاحقاً.

وبذا، يكون الطفل الذي لديه أربعة مؤشرات إيجابية من المؤشرات المتعلقة بتعرضه للعنف في مرحلة الطفولة معرض أكثر من غيره للانسداد الرئوي والالتهاب الكبدي بمرتين ونصف، وللكآبة والاكتئاب بأربع مرات ونصف، وللانتحار باثنتي عشرة مرة.


وفي دراسة طويلة أجريت على أطفال منذ ولادتهم حتى بلوغهم ٣٣ سنة، لوحظ عند إجراء اختبار دم لهم أن الأطفال الذين تعرضوا لسوء معاملة في طفولتهم قد تغيرت الوظائف الحيوية في أجسادهم، إذ اكتشف أن مستويات البروتين التفاعلي C عندهم أعلى بكثير من غيرهم، وهذا البروتين هو مجموعة من المركبات الحيوية التي تزيد مستوياتها في الدم عند تعرض الجسم لأي مؤثر ينتج عنه ردة فعل من أجهزة الجسم المختلفة وفي مقدمتها الجهاز المناعي، وقد وجد أن هؤلاء الأطفال تعرضوا للاكتئاب عندما بلغوغم ٣٢ عاماً وأصيبوا بأمراض القلب والشرايين.


لماذا نركز نحن المعالجين على صدمات الطفولة؟


لأن الأطفال حساسون أكثر من غيرهم للأنشطة المتكررة من التوتر والقلق، ولأن أدمغتهم وأجسادهم ما تزال في طور التكوين، بالإضافة إلى أن التعرض للجرعات المرتفعة من التوتر وتحديداً هرمون الكورتيزول والأدرينالين الذي يحكم قدرة الإنسان في مواجهة الخطر والتهديد المتعرض له في حياته ليس جيداً، إن هذه القدرة عظيمة جداً ومذهلة في المواقف الحقيقية التي يتعرض فيها الإنسان إلى خطر فعلي لكنها ليست جيدة البتة عندما تصبح عادةً لدى طفل بل تصبح مدمرة لصحته وسلامة جهازه المناعي ومستويات الهرمونات في جسده!

إننا حين نفهم ونتعلم آلية حدوث اضطراب ما فإننا نقترب من فرصتنا للحد منه، ثم تفاديه، فالتعرض للعنف في وقت مبكر يؤثر كثيرا على صحة الإنسان مدى الحياة.


هذا، وأجرى العالم المتخصص في صدمات الطفولة «فيلتي» تجربة توضح مدى أهمية التحدث والإفصاح عن الصدمات التي حصلت في الطفولة كالإهمال، والقسوة، والضرب، والتحرش، فطلب من الأطباء أن يطبقوا مقياس صدمات الطفولة على المرضى المصابين بأي مرض عضوي أو نفسي ثم يسألونهم عن هذه الصدمة، بقولهم مثلاً: «أرى أنك تعرضت لصدمة كذا وكذا في طفولتك، أنا آسف لحدوث ذلك، هل تريد التحدث عن هذه التجربة؟»، وبعد إجابة المصاب يظهر التعاطف الطبيبُ ويسأل: «هل تعتقد بأن لهذه الصدمة أثرا سلبيا طويل المدى عليك؟ أو أن لها علاقة بصحتك اليوم؟».


وكان الهدف من ذلك إعطاء فرصة للحديث عن الصدمة وإدراك المصاب أنه لن يكون عرضة لإطلاق الأحكام عليه، بل على العكس، سيحصل على التعاطف المطلوب ممن وثق به، وهو المعالج.

وكان أغلب المرضى لم يسأل نفسه قبل ذلك إن كان لصدمة الطفولة علاقة بحالته المرضية اليوم أو لا! وهذه التجربة أتاحت لهم التفكير في الأمر.


بعد تجربته هذه انتظر «فينست» شهورا وأعواما وهو يتابع هؤلاء المشاركين لمعرفة إن كان ما فعله ذا نتيجة مثمرة أو لا، ووجد أن الذين تحدثوا عن صدمة الطفولة قلت لديهم الأعراض المرضية وانخفض لجوؤهم للتدخل الطبي بنسبة ٣٥٪، وفي دراسة أخرى إلى ٥0٪، وبذلك نستنتج أن المعالج النفسي الماهر يهتم بجميع التفاصيل الصغيرة والكبيرة، ولا يتعجل في التشخيص والعلاج، ففي بعض الأحيان يكون ما يؤرق مشاعرنا وأفكارنا من أحداث ماضية هو سبب الاكتئاب أو القلق، والإفصاح عنه للشخص المناسب هو بداية العلاج.


يرى عالم النفس الفرنسي «جانيت» أن صدمات الطفولة تنسى، لكنها تبقى في اللاوعي وقد تكون أساسا للاضطرابات النفسية مستقبلا؛ لأن العقل الباطن يرى ما خلف الستار بخلاف العقل الواعي.


كذلك يرى الأستاذ «فروم» أن الصدمة النفسية تؤدي إلى نوع من إبطال قدرة الشخص على استخدام عقله لمعالجة الأمور، والصدمة النفسية هي تجربة يكون فيها الشخص مثقلا عاطفيا كنوع من الإيقاف الكامل لأجهزة العمل ونوع من الإحساس بالعجز؛ مما يقود عادةً الشخص المصدوم نفسيا إلى مواجهة صعوبات في ضبط عواطفه وصعوبات في تحمل الضغوط.


صدمات الطفولة تؤدي بالأطفال إلى أن يصبحوا أكثر خوفا من العالم، حين تكون الروابط الأولى والأهم في حياة الطفل غير مستقرة، فمن الطبيعي والمتوقع أن يتحول هذا الخوف إلى شعور بعدم الأمن والحماية مع الآخرين عند البلوغ، فالزمن هنا لا يشفي الجروح كما يقال ويردد على ألسنة العامة؛ إنه يشفي جراح جسدك إذا تعرضت لقطع أو خدش، لكنه لن يشفي جراحك وصدمات طفولتك، بل على العكس تماما سوف تبقى مخزنة في جسدك حتى تستخرج وتعالج، وإلا سوف تكبت وتتسبب بالاكتئاب، والقلق، والمشاكل في علاقاتك الاجتماعية والعاطفية، وستتفاقم لديك أمراض متعلقة بالضغط النفسي، مثل: السكري، والضغط، وأمراض المناعة الذاتية، يقول الدكتور روبرت بلوك الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: «تجارب العنف ضد الطفولة هي إحدى أخطر التهديدات غير المعالجة على الصحة العامة» وأتفق معه في هذا القول، لذلك وجب البحث والدراسة حول هذا الموضوع لتفاديه وضمان سلامة نشأة الأجيال القادمة و نشر الوعي للآباء والأمهات والمربين والمعالجين مستقبلا.



Comments


Post: Blog2_Post

جنان

bottom of page